الجهل بالغيبة لا ينافيها


ثم يقال للمخالف في الغيبة: أتجوز أن يکون للغيبة وجهُ صحيح اقتضاها، ووجه من الحکمة استدعاها، أم لا تجوٌز ذلک؟

فإن قال: أنا لذلک مجٌوز.

قيل له: فإذا کنت له مجوّاً فکيف جعلت وجود الغيبة دليلاً علي أنه لا إمام في الزمان، مع تجويزک أن يکون للغيبة سبب لا ينافي وجود الإمام؟!

وهل تجري في ذلک إلاّ مجري من توصّل بإيلام الأطفال إلي نفي حکمة الصانع تعالي، وهو معترف بأنه يجوز أن يکون في إيلامهم وجه صحيح لاينافي الحکمة.

أو مجري من توصّل بظواهر الآيات المتشابهات إلي أنّه تعالي مشبِه للأجسام، وخالق لأفعال العباد، مع تجويزه أن يکون لهذه الآيات وجوه صحيحة لا تنافي العدل، والتوحيد، ونفي التشبيه.

وإن قال: لا أجوز أن يکون للغيبة سبب صحيح موافق للحکمة، وکيف أجوز ذلک وأنا أجعل الغيبة دليلاًعلي نفي الإمام الذي تدّعون غيبته؟!

قلنا: هذا تحجر منک شديد، فيما لا يحاط بعلمه ولا يقطع علي مثله.

فمن أين قلت: إنه لا يجوز أن يکون للغيبة سبب صحيح يقتضيها؟!

ومن هذا الذي يحيط علماً بجميع الأسباب والأغراض حتي يقطع علي انتفائها؟!

وما الفرق بينک وبين من قال: لايجوز أن يکون للآيات المتشابهات وجوه صحيحة تطابق أدلة العقل، ولا بد من أن تکون علي ما اقتضته ظواهرها؟!

فإن قلت: الفرق بيني و بين من ذکرتم أنني أتمکن من أن أذکر وجوه هذه الآيات المتشابهات ومعانيها الصحيحة، وأنتم لا تتمکّنون من ذکر سبب صحيح للغيبة!

قلنا: هذه المعارضة إنّما وجهناها علي من يقول: إنه غير محتاج إلي العلم علي التفصيل بوجوه الآيات المتشابهات وأغراضها، وإن التعاطي لذکر هذه الوجوه فضل وتبرّع، وإن الکفاية واقعة بالعلم بحکمة القديم تعالي، وإنه لايجوز أن يخبر عن نفسه بخلاف ما هو عليه.

والمعارضة علي هذا المذهب لازمة.