وجوده الحسي في الغيبة الصغري


أما طرق إثبات الامام سلام الله عليه لوجوده الحسي في زمن الغيبة الصغري، فهناک طرق عديدة، طبيعي هذا غير بحث أصل ولادته ووجوده عليه السلام، وإنما هو بحث في طرق إثبات وجوده الحسّي في زمن الغيبة الصغري في الخصوص.

الطريق الاوّل:

تمکين عدد من الخاصة من مشاهدته عياناً، کما أشرنا له في الرواية الواردة عن الامام الصادق سلام الله عليه، والتي افتتحنا بها صدر البحث، وايصاؤهم بتبليغ ما شاهدوه إلي الناس وخاصة القواعد الشعبيّة الموالين للامام سلام الله عليه مع إيصائهم بالکتمان.

الطريق الثاني:

إقامة المعجز والکرامة، حيث کان الامام سلام الله عليه تجري المعجزة والکرامة علي يديه تارة عن طريق السفراء وتارة عن طريق بعض الخواص الابدال من الناس، من قبيل محمد بن شاذان بن نعيم رضوان الله عليه، يقول:

اجتمع عندي من الحقوق الشرعيّة خمسمائة درهم إلاّ عشرين درهماً، فاستحييت أن أبعث بها للامام عليه السلامدون أن أتمّها، فأتممتها بخمسمائة وأوصلتها إلي الامام سلام الله عليه ـ الظاهر عن طريق نائبه، لانّ القضية في زمن الغيبة، والمفروض اللقاء المباشر في مثل هذه القضايا عن طريق النواب، وإن کان يمکن أن يکون التقي به سلام الله عليه مباشرة ـ فجاء الجواب عن الامام: وصلت خمسمائة درهم لک منها عشرون درهماً». [1] .

مثل هذه الکرامات کانت تظهر للامام سلام الله عليه، فکانت تعزز وجوده الحسي.

الطريق الثالث:

هو عبارة عن الاجوبة علي مختلف المسائل، فکان الامام سلام الله عليه يجيب عليها، وأنا بيّنت أنّ البحث مبني علي الجدولة، وإلاّ لو أردنا أن نبسط الکلام في تعداد المسائل التي وردت فيها توقيعات الامام سلام الله عليه لکانت کثيرة جداً.

ونفس هذه المسائل والاجوبة عليها ومتانتها وانسجامها مع أجوبة آبائه الائمة الطاهرين ممّا يعني أنّ العين نفس العين الصافية التي کانت تصدر منها المسائل عن الائمة الاطهار سابقاً، أنّها صادرة من إمام، لا من شخص عادي.

الطريق الرابع:

هو الخط الخاص للامام سلام الله عليه، فهنالک للامام کما أشرنا في ثنايا حديثنا خط خاص، هذا الخط الخاص مألوف ومأنوس في زمن أبيه الامام العسکري عليه السلام، وقد نص الصدوق رحمه الله بأنّه من جملة الطرق التي کان يعرف الناس بها وجود الامام سلام الله

عليه وصدق دعوي سفارة مَن ادّعي السفارة، کان ذلک من خلال معرفة خطه عليه السلام، لانّ الرسائل کانت تصدر بخطّه وتوقيعه مؤرّخة بتأريخها أيضاً، ممّا کانت تؤکّد لکلّ مَن کان له تماس بالامام سلام الله عليه وبواسطتهم لبقية الطبقات کانت تؤکّد وجوده عليه السلام.

وهنالک مباحث أيضاً طويلة الذيل کما يقال أخري، وتفاصيل عديدة أيضاً في هذا المجال، ولکن لضيق الوقت نکتفي بهذا المقدار من البحث، وأترک الباقي من خلال أجوبة الاسئلة.

ولکن بالمناسبة، في قضية السفراء الاربعة کان بودّي أن أفيض فيها أطول من ذلک، ولکن لضيق المقام اکتفيت بما ذکرته.

وهنالک توقيع من توقيعات الناحية المقدسة أرغب للتبرک أن أختم به، لا سيما وأنه خاتمة الغيبة الصغري أيضاً، حيث جاء في هذا التوقيع من الناحية المقدسة لاخر نائب وهو النائب الرابع وهو السمري، وهو نص رسالة الامام سلام الله عليه للنائب الرابع، يوصيه فيها بأن لا يوصي من بعده لشخص آخر فقد انتهت الغيبة الصغري، وهذه الرسالة تشهد عباراتها علي صدورها من تلک الناحية المقدسة، يقول:

«بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانک فيک».

يعني هذا في حياته، فالامام سلام الله عليه نعي إليه نفسه في حياته، وهذه القضية رواها کل من مرّ بها من علماء الطائفة، کالصدوق والطوسي وأمثال هؤلاء قدس الله اسرارهم.

«فانّک ميّت ما بينک وبين ستّة أيام».

هذا يرتبط بموضوع علم الغيب، ونحن بيّنا في محاضرات سابقة أن موضوع علم الغيب يختص بالله عزوجل، ولکن الله يطلع علي بعض المعلومات الغيبيّة مَن ارتضي من خلقه.

«فاجمع أمرک ولا توصي إلي أحد فيقوم مقامک بعد وفاتک، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلاّ باذن الله تعالي ذکره، وذلک بعد طول المدّة وقسوة القلوب وامتلاء الارض جوراً»، [2] إلي آخر توقيعه المقدس صلوات الله وسلامه عليه.

والحمد لله ربّ العالمين، ونسأل الله سبحانه وتعالي بحقّ صاحب الامر أن يوفقنا جميعاً أن نکون جنوداً أوفياء له عليه السلام وأن نکون مقبولين عنده، فانّه من أهل بيت رضاهم رضا الله وغضبهم غضب الله.

اللهم ارزقنا رضاه ورأفته، اللهم قرّ عيوننا بطلعته المبارکة، اللهم عجّل فرجه وسهّل مخرجه واجعلنا من أنصاره والشهداء بين يديه.

وصلي الله علي سيدنا محمد وآله الطاهرين.


پاورقي

[1] کمال الدين: 486 ح 5، الغيبة للطوسي: 416 ح 394.

[2] کمال الدين: 516 ح 44، الغيبة للطوسي: 395 ح 365.