الدولة الاسلامية و المجتمع الفاضل


ثبت من خلال استعراضنا للآيات والنتائج التي انتهينا إليها بأنّ دولة الحقّ العالمية ستتحقق في التاريخ بشکل حتمي حسب الوعد الإلهي.

وتناول القرآن الکريم طبيعة ما يسود مرحلة الانتظار من ظواهر اجتماعية وإيمانية ثم بيّن السنن الحاکمة في حياة البشرية التي تکفل بتحقيق تلک الدولة والقاضية بحتميتها عبر مرور الاُمة بمرحلة الانتظار.

وأخيراً بقيت مسألة صفات تلک الدولة والظواهر التي تنتجها لنا وبالتالي بيان سمات المجتمع الذي يعطي لنا الدولة الرشيدة. وبيان ذلک سيتم عبر عدد من الآيات:

1 -«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَي لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِکُونَ بِي شَيْئاً وَمَن کَفَرَ بَعْدَ ذلِکَ فَأُولئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» [1] .

الآية مدنية نزلت بعد الهجرة وهذا يعني أنها تخبر عن أمر سيتحقق في المستقبل، وأنّ دولة النبي في المدينة لم تکن هي المقصودة في هذه الآية، ولابد من وجود مجتمع آخر ودولة اُخري تتسع لتشمل کل الأرض، لا في بقعة منها فالوعد الإلهي خطابه عام للاُمة المسلمة بما فيها المؤمن والفاسق، وقد تضمن الخطاب جملة من الاُمور منها بأنّه سبحانه سيجعل للمؤمنين مجتمعاً صالحاً.

ومنها انّه سيجعلهم خلفاء في الأرض ويجعل دينهم ظاهراً ومتمکناً علي غيره يطرد أمامه کل ضعيف.

ومنها بأنّ المرحلة التي يسودها الخوف أو أن الاُمة التي تمر في ظرف الخوف ستعقبها مرحلة الأمن وأخيراً ستتحقق العبادة بکل صورها ذاتياً وموضوعياً أي يتم طرد الشرک في الذات، والخارج المتمثل في الطغيان، فلا مکان في هذا المجتمع للشرک ولا الکفر.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هل أن المجتمع الصالح والدولة الرشيدة ومظاهر الإيمان الاُخري قد تحققت في التاريخ أم لم تتحقق؟ وهل يمکن القول بأن الآية تعني بذلک مجتمع الرسول في المدينة؟ أم حکم الخلافة الذي عقب دولة الرسول صلي الله عليه وآله أو غير ذلک؟

ثم إن الآية تشير الي أمر لم يتحقق بعد وهل هي من الآيات التي تخبر بالملاحم التي ستحدث في المستقبل؟ فالإجابة علي هذه التسؤالات وغيرها يدعونا الي تناول جملة من النقاط.


پاورقي

[1] النور: 56.