التبديل


الاُمة وهي تسير في حرکتها نحو الکمال أو قل نحو هدفها المنشود وستمر بمرحلة اعداد وتربية وأحد مظاهر هذه المرحلة ومفرداتها بروز الخوف، لذا قال سبحانه«وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً»والخوف يعني المعاناة والتعسف والظلم الذي تتعرض له الاُمة ويکون الخوف أحد مظاهر حياتها فهي إذاً ظروف تطغي فيها أمثال هذا المظهر وغيره قبل مرحلة التمکين حتي تصل الي تحقيق العبادة يعبدونني عبادة لا خوف فيها ولا شرک ولا ظلال، بل وحتي الشرک الخفي سيزول من محتوي الاُمة ليحل محلّه الأمن، لأن الشرک ظلم، وهذا ليس من صفات الاُمة المستخلفة حين تتوافر فيها شروط الاستخلاف، ثم لم يذکر لنا التاريخ بأنّ اللَّه سبحانه قد اُنجز وعده بهذا المعني المتقدم للاستخلاف في الأرض کل الأرض لا قبل النبي صلي الله عليه وآله ولا بعده. وإن إنطبق فلينطبق علي زمن ظهور المهدي عليه السلام علي ما ورد في الأخبار المتواترة عن النبي صلي الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام من صفة يوم الظهور وهنا نجد الخطاب للمجتمع الصالح لا له عليه السلام وحده.

فإن قلت: ما معني الوعد حينئذٍ للذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات وليس المهدي عليه السلام أحد المخاطبين حين النزول ولا أحد من أهل زمان ظهوره بينهم؟

قلت: فيه خلط بين الخطابات الفردية والاجتماعية أعني الخطاب المتوجه الي أشخاص القوم بما هم أشخاص بأعيانهم والخطاب المتوجه إليهم بما هم قوم علي نعت کذا فالأوّل لا يتعدي الي غير أشخاص ولا ما تضمّنه من وعد أو وعيد أو غير ذلک يسري الي غيرهم، والثاني يتعدي الي کل من اتصف بما ذکر فيه من الوصف ويسري عليه ما تضمّنه من الحکم، وخطاب الآية من القبيل الثاني.

ومن هذا القبيل أغلب الخطابات القرآنيه المتوجهة الي المؤمنين والکفار، ومنه الخطابات الذامّة لأهل الکتاب وخاصة اليهود بما فعله أسلافهم وللمشرکين بما صنعه آباؤهم.

ومن هذا القبيل خاصة ما ذکر من الوعد في قوله تعالي:«فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسوءُوا وُجُوهَکُمْ» [1] ، فإن الموعودين لم يعيشوا الي زمن إنجاز هذا الوعد، ونظيره الوعد المذکور في قول ذي القرنين علي ما حکاه اللَّه:«فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَکَّاءَ وَکَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً» [2] ، وکذا وعده تعالي الناس بقيام الساعة وانطواء بساط الحياة الدنيا بنفخ الصور کما قال:«ثَقُلَتْ فِي السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ لاَتأْتِيکُمْ إِلَّا بَغْتَةً» [3] ، فوعد الصالحين من المؤمنين بعنوان أنهم مؤمنون صالحون بوعد لا يدرکه أشخاص زمان النزول بأعيانهم ولما يوجد أشخاص المجتمع الذي يدرک إنجاز الوعد مما لا ضير فيه البته.

فالحقّ أن الآية إن اُعطيت حقّ معناها لم تنطبق إلّا علي المجتمع المعد الذي سينعقد بظهور المهدي عليه السلام، وإن سومح في تفسير مفرداتها وجملها وکان المراد باستخلاف الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات استخلاف الاُمة بنوع من التغليب ونحوه، وبتمکين دينهم الذي ارتضاه لهم کونهم معروفين في الدنيا بالاُمة المسلمه عدّهم الإسلام ديناً لهم وإن تفرّقوا فيه ثلاثاً وسبعين فرقة يکفّر بعضهم بعضاً ويستبيح بعضهم دماء بعض، إلّا أنه لم يکن حالة دائمة إنّما ستزول وسيبدل اللَّه خوفهم أمناً، ويعبدون اللَّه ولا يشرکوون به شيئاً. وعليه فانّ الموعود بهذه الآية هي الاُمة المسلمة والمراد باستخلافهم مارزقهم اللَّه من العزّة والشوکة فلا دليل لقصر الآية في زمن الخلفاء بل يجري فيما بعد ذلک الي زمن انحطاط الخلافة الإسلامية وما بعدها حتي تحقيق يوم الظهور الذي لا تنطبق عليه.

ولهذا ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في معني قوله عزمّ وجل«وعد اللَّه الّذين آمنوا منکم...»قال أنها نزلت في القائم وأصحابه [4] .

2 -«سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ» [5] .

الآية تتکلم عن أحداث ستقع في المستقبل تکون بمثابة شاهد ودعم للرسالة وهذه الأحداث منها ما يقع في الآفاق وهي البلدان والنواحي، لأن الآفاق جمع اُفق وهو الناحية، ومنها ما يقع في الأنفس والمقصود منه قتلهم الذريع کالذي وقع في بدر؛ لذا قال البعض بأنها تعني أصحاب الرسول الذين فتحوا البلدان وتمکنوا من مشرکي مکة. لکن الخطاب لم يکن خاصاً بمشرکي قريش لتشخص الآيات بهم، وإنّما الخطاب عام يشمل مشرکي الاُمة عامة، ولکن يمکن الجمع بين الوجهين أي أن الخطاب يشتمل علي النزول وما بعده، وعليه يمکن أن يکون المراد بإراءة الآيات وتبيين الحق بشکل مطلق لا في زمن النبي فحسب واستفادة ذلک من الآيات التي تشير بأن اللَّه سيظهر دينه علي الدين کلّه، فلا يعبد علي وجه الأرض دون اللَّه مطلقاً وبه يتحقق مصداق آخر الآيات التي تشمل الآفاق والأنفس وتکون دليلاً علي دعوة الإسلام الحقّة ذلک بظهور دولة الحقّ بقيادة الإمام المعصوم آخر الزمان الذي تشمل دولته کلّ العالم ويتمکن من أعداء اللَّه وستري الناس آيات اللَّه في البلاد کلها کماتري زوال الظلم وأهله من تلک الدولة.

3 -« وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَي أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَا کَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ کَفُورٌ- وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ» [6] .

الاُمة المعدودة هي الجماعة الصالحة الموعودة التي سينتصر بها اللَّه لدينه والمشار إليهم في الآية«فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ». [7] وفي الآية

«لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَي لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِکُونَ بِي شَيْئاً» [8] .

والآية التي تشير الي الاُمة المعدودة تحسب من الآيات التي تتکلم عن الملاحم والمؤوّلة بأصحاب الإمام المهدي کما تشير إليها بعض الروايات.


پاورقي

[1] الاسراء: 7.

[2] الکهف: 98.

[3] الأعراف: 187.

[4] إثبات الهداة 81:7.

[5] فصلت: 53.

[6] هود: 10 - 8.

[7] المائدة: 54.

[8] النور: 55.