اختصاص اهل البيت بهذا العلم


إنّ أهل البيت عليهم السلام وهم رسول اللَّه محمد بن عبداللَّه صلي الله عليه وآله والأئمة الإثنا عشرعليهم السلام، والصديقة الزهراءعليها السلام يختصون من بين المسلمين بامتيازات کثيرة، أحدها هي أنهم يعلمون تنزيل القرآن وتأويله وظاهره وباطنه ومحکمه ومتشابهه.

ومع غضّ النظر عن مصدر هذا العلم [1] فانّه لابد أن نشير في هذا المجال الي عدة نقاط:

الاُولي: إنّ المراد من اختصاصهم بهذا العلم کما هو مقتضي الجمع بين هذه الروايات هو اختصاص العلم ب(جميع)تفسير القرآن و(کل)القرآن بهذا المعني الواسع الذي أشرنا إليه، لا أن القرآن لا يفهمه غير أهل البيت عليهم السلام، ولذا جاء التعبير بهذا الاختصاص مقروناً - أحياناً - بکلمة(کل)و(جمع) [2] ، وجاء هذا التعبير مقروناً - أحياناً اُخري - ببيان تفصيل أبعاد هذا العلم [3] .

وهذا المعني لا ينافي أن يکون القرآن هادياً للبشرية ولجميع الناس؛ حيث يمکن للناس أن يفهموا القرآن ويرجعوا إليه فيما يعرفون من معانيه، وفق الضوابط والقوانين العلمية الصحيحة.

الثانية: إنّ أهل البيت في الکثير من هذه الروايات کانوا يحاولون معالجة الواقع الخطير الذي کان عليه بعض المفسرين للقرآن الذين اعتمدوا علي الرأي والظنون دون الرجوع الي الضوابط العلمية والسنّة المروية والعترة الطاهرة التي جعلها النبي الأکرم مرجعاً للمسلمين والثقل الآخر الذي لا يفترق عن القرآن الکريم. فأهل البيت انکروا علي بعض المسلمين العدول عن العلم الي الظن، وهذا غير جائز باجماع المسلمين.

الثالثة: إنّ من الطبيعي أن يکون أهل البيت عليهم السلام لهم هذا النوع من الاختصاص إذا أخذنا التفسير بمعناه الواسع.

فکما صح أن يکون هذا النوع من الاختصاص ليوسف عليه السلام وهو من أنبياء بني إسرائيل، أو يکون لعبد من عباداللَّه الصالحين آتاه اللَّه العلم والمعرفة، يمکن أن يکون هذا الأمر للأئمة الطاهرين وهم ورثة النبي في علمه.

وهذا النوع من المعلومات لا دليل علي وجود قواعد وضوابط يمکن من خلالها الاطلاع عليها وتعلمها - کما يحاول أن يذهب الي ذلک العلّامة الطباطبائي - بل قد تکون هي من الاُمور الغيبية التي يکون علمها عند اللَّه تعالي - وهو الذي يلقيها ويعلّمها للأنبياء، أو لهم وللأوصياء والأولياء الذين يختارهم - تعالي - ويصطفيهم عندما تقتضي حکمته ذلک، أو يحجبها عنهم عند اقتضاء الحکمة ذلک.

ولعل هذا هو وجه الجمع بين الالتزام بالوقف علي قوله تعالي:«...وَمَا يَعْلَم تَأْوِيله إلّااللَّه...» [4] ، وبين قوله تعالي:«لا يَمَسّه إلّا المطهّرون». [5] فالراسخون في العلم لا يعلمون التأويل الذي هو من الغيب بل يؤمنون به و«يَقُولُونَ آمنّا به کُلٌّ من عندنا ربّنا...» [6] ، ولکنهم في نفس الوقت يعلمون التأويل بتعليم اللَّه تعالي لهم عندما يکونون من المطهرين کما أشار الي ذلک العلّامة الطباطبائي نفسه.

فأهل البيت عليهم السلام يخصون بعلم(جميع)تفسير القرآن، وهذا الاختصاص أمر طبيعي بعد أن کان هذا الجانب من العلم من الاُمور الغيبية التي علمهم اللَّه - تعالي - إياها.

کما أنّهم في نفس الوقت يشارکون الناس، بل أهل المعرفة بالعلم بظواهر القرآن الکريم، بل هم أحد الضوابط والموازين المهمة في هذه المعرفة العامة للناس، وبهذا يمکن أيضاً أن نجمع بين روايات اختصاص تفسير القرآن بأهل البيت عليهم السلام وما ورد من الآيات والروايات التي تدلّ علي أنّ القرآن ميسّر الفهم لجميع الناس. حيث يکون القرآن ميسّر الفهم طبقاً للضوابط العامة للغة التي يمکن للعلماء أن يعرفوها. ولکن في الوقت نفسه يکون هناک جانب من الاختصاص يرتبط بتطبيق مفاهيم القرآن علي الاُمور الغيبية وتفاصيل الشريعة وغيرها.

أوردنا فصل التأويل في فقرات بحثنا لاعتماد أدلته علي الآيات المؤوّلة بالإمام المهدي عليه السلام وان کنّا في واقع الحال قد اعتمدنا منهج التطبيق بدل الاعتماد مطلقاً علي التأويل الذي کان هو النهج السائد لدي من کتب عن الإمام المهدي في القرآن أي تطبيق الآية علي الإمام المهدي ليکون عليه السلام أحد مصاديق الآية والفرق بين التأويل والتطبيق واضح من کون التأويل يعني الکشف عن القصد الإلهي وتعيين مصداقه في الخارج ويکون المصداق المشار إليه تأويلاً ويمثل أحد المصاديق التي تهدف إليها الآية الکريمة بمعونة قول المعصوم عليه السلام.

أما التطبيق فيعني وجود قصد إلهي للآية ولکن بمفهومها العام إلّا أنّ موضوعها في الخارج متغير؛ فإذا تحقق الموضوع في ظرف ما فيکون ذلک المصداق هو المقصود في الآية، فقوله تعالي:«إذا جَاءَکُم فاسق بنبأٍ فتبيّنوا...»لا تختص بالفرد الذي نزلت بحقّه فحسب، بل تتعداده الي کل فرد فاسق يأتي بنبأ، ونحن نسير في انتخابنا للآيات التي هي موضع صالح للتطبيق في الإمام المهدي ويمکن لغير المعصوم أن يطبقها في المورد الملائم.


پاورقي

[1] يوجد بحث کلامي وروائي في أنّ هذا العلم هل هو من باب التلقي عن الرسول صلي الله عليه وآله، أو من باب الالهام والالقاء من اللَّه تعالي، أو من باب العلم بالغيب الذي اطّلع اللَّه تعالي بعض عباده عليه، أو هو من جميع هذه المصادر ولا يهمنا الآن الدخول في هذا البحث.

[2] الکافي 228:1، الحديث 1و2 وص 229، الحديث 5 و ص 57، الحديث 3.

[3] وسائل الشيعة 135:18، الحديث 23، وص136، الحديث 25 وص 141، الحديث39.

[4] آل عمران: 7.

[5] آل عمران: 7.

[6] الواقعة: 79.