لماذا لا يکون المهدي رجلا آخر؟


ولکن لماذا لا يکون المهدي (ع) رجلا آخر سيولد في المستقبل؟ وکيف نتقبل غيبته طوال هذه القرون الکثيرة التي تجاوز العمر الطبيعي للانسان بصورة غير مقبولة علميا وواقعيا؟

وما وجه الحکمة فيها؟ وهل له ما بين الغيبة الي الظهور دور بالنسبة الي اهل الارض..؟ وکيف يمکن ان نتصور انتصاره علي عالم اليوم بامکاناته العلمية والصناعية وخزينه من الاسلحة الحربية المتطورة؟ والجواب علي التساؤل الاول اعني لماذا لا يکون المهدي (ع) رجلا آخر سيولد في المستقبل؟ هو: ان الامر کما شاء اللّه لا کما يشاء خلقه و (اللّه اعلم حيث يجعل رسالته) [الانعام: 104]. ولذلک فان تشخيص المهدي المنتظر (ع) بالامام الثاني عشر بالذات انما رجعنا فيه الي ما اثبتته الاحاديث المتواترة عن الرسول (ص) والاوصياء المعصومين من اهل بيته (ع)، علي اننا يمکن ان نري ان الاساس في ذلک هو موقع الامام المهدي (ع) ليس بوصفه اماما، وخليفة بالمعني الاخص للرسول (ص) فقط، بل بوصفه آخر هؤلاءالخلفاء الاوصياء، ولذلک فهو بحکم ذلک صاحب الزمان من اول عهد امامته حتي قيام الساعة، اي ان هذا الزمان هو زمان امامته ومسؤوليته بما انه آخر اوصياءالرسول (ص)، ولذلک فان کونه المهدي المنتظر يصبح مفروضا. يتضح ذلک اکثر حين نضع امامنا المقدمات المسلمة الاتية معطوفا بعضها علي بعض. وهي: «ان الثابت، في المنقول من الروايات عن الائمة من اهل البيت(ع)، عدم جواز خلو الارض من حجة للّه ظاهرا مشهورا او غائبا مستورا». وذلک يلتقي وما يحکم به العقل ايضا بحکم «قاعدة اللطف »، ويعنون بها رحمة اللّه بخلقه لما يعلم من حاجتهم بوصفهم مکلفين للمعرفة والحجة. ومن امثلة ذلک بالنسبة لنا ان اللّه سبحانه شاء ان تکون الرسالة الاسلامية خالدة وشاملة، تحقيقا لما يفرضه التوحيد من وحدة الطاعة او العبادة، ولکن ذلک غير قائم بصورته الواقعية بحکم الاختلاف الموجود بين المذاهب، واختلاف الاجتهادات داخل المذهب الواحد، ولا يمکن ان يحسم هذا الاختلاف الا امام معصوم او خليفة بالمعني الاخص، ومع واقع ختم النبوة بالرسول محمد (ص) فلا نبي بعده وانتقاله الي الدار الاخرة وتحديد الائمة الاوصياء (باثني عشر) وانتقال احد عشر منهم الي الدار الاخرة کذلک. فلم يبق اذا الا ان يکون هو الامام الثاني عشر (محمد بن الحسن) (ع). ومع غض النظر عن ذلک، فاننا لا يمکن ان نتصور المهدي المنتظر (ع) بصفاته، ومقامه العظيم، ودوره الکبير کما صورته الاحاديث الصحيحة المتواترة من دون مستوي الخلافة بالمعني الاخص. ولا يمکن ان نتصور ايضا وجود هذا المستوي وراء العدد المحدد (باثني عشر) طبقا لما دلت عليه النصوص الصحيحة، واذا فلم يبق الا ان يکون المهدي المنتظر (ع) الذي بشرت به الاحاديث هو نفس الامام الثاني عشر الذي غاب غيبته الصغري النسبية من سنة 260 الي سنة 329 ه، ثم غاب بعدهاالغيبة الکبري التي لا تزال قائمة حتي الان. وربما کان وراء ظروف الغيبة الصغري التي تحدثنا عنها غرض آخر هو التمهيد لتقبل الغيبة الکبري فان صورتهما واحدة باستثناء وجود النواب الاربعة المعروفين، وما يعطيه هذا الوجود من الحضور النفسي والعلمي للامام لدي المؤمنين بحکم امکان الرجوع اليه لدي الحاجة، وتلقي الاجابة بخطه کما ذکر في البحثين: الاول والثاني من هذا الفصل. اما الغيبة الکبري فانها تعني غلق هذه الصورة للصلة به من جهة الناس لا من جهته (ع). وفرق آخر هو ان تلک الغيبة کانت ضمن العمر الطبيعي للانسان، وکانت وهي نسبية مفهومة ومتعقلة من حيث حکمتها دافعا وغاية بخلاف الغيبة الکبري.