وقفة مع المشککين


قالوا: «ابن خلدون قفا ما ليس له به علم » وقد تعرض ابن خلدون بسبب ذلک الي هجوم ماحق من قبل علماء السنة قبل الشيعة ورد وا علي ما اثاره من وجوه التشکيک، فقال الشيخ عبد المحسن العباد في «الرد علي من کذب بالاحاديث الصحيحة في المهدي (ع) ص 28»، وهو يرد علي الشبهة التي اثارها ابن خلدون، والجواب:

اولا: ان ابن خلدون اعترف بسلامة بعضها من النقد، اذ قال بعد ايراد الاحاديث في المهدي (ع): «فهذه جملة الاحاديث التي خرجها الائمة في شان المهدي (ع) وخروجه آخر الزمان، وهي کما رايت لم يخلص منها من النقد الا القليل والاقل منه »، علي ان ابن خلدون فاته الشي ء الکثير من الاحاديث، يعني انه اورد بعض ما ورد في المهدي من الاحاديث واوهم قارئه في عبارته السابقة انه اورد جملتها. ثانيا: ان ابن خلدون مؤرخ وليس من رجال الاحاديث فلا يعتد به في التصحيح والتضعيف. ووافقه في ذلک الشيخ محمد جعفر الکتاني، في نظم المتناثر ص 146،والشيخ جسوس في شرح الرسالة، فاکدا عدم الاعتداد بابن خلدون في علم الحديث وعدم الاعتناء بتصحيحه وتضعيفه، ومثلهم في ذلک الشيخ احمد شاکر في تخريجه لاحاديث مسند احمد بن حنبل م 5 ص197، فقال: «اما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم، واقتحم قحما لم يکن من رجال له ». وقال: ان ابن خلدون لم يحسن فهم قول المحدثين: «الجرح مقدم علي التعديل ولو اطلع علي اقوالهم وفقهها ما قال شيئا مما قال ». وذکروا ان من يعتد بهم في الرواية والدراية قد رووا هذه الاحاديث وقالوا بصحة الکثير منها وذکروا منهم اصحاب السنن الاربعة (الترمذي والنسائي وابن ماجه واباداود) واحمد بن حنبل في المسند والطبراني في المعجم وابن حبان والبيهقي في السنن والحاکم في المستدرک. وذکر الشيخ مهيب البوريني في مقدمته لکتاب عقد الدرر في اخبار المهدي المنتظر للسلمي، المتوفي سنة 685، ممن خرج هذه الاحاديث من الاعلام بدءا من اوائل القرن الثالث حتي منتصف القرن الرابع عشر(52) محدثا، مشيرا الي کتبهم التي خرجوها فيها، ومنهم عدا من ذکرناهم آنفا ابو عبداللّه نعيم بن حماد المتوفي سنة 228 في الفتن، ويحيي بن عبد الحميد الحماني المتوفي سنة 228 في مسنده، وابن سعد المتوفي سنة 230 في الطبقات، وابن ابي شيبة المتوفي سنة 235 في مصنفه، والحارث بن ابي اسامة المتوفي سنة 282 في مسنده، والبزار المتوفي سنة 292 في مسنده، وابو يعلي المتوفي سنة 307 في مسنده، والروياني المتوفي سنة 307 في مسنده، وابن جرير الطبري المتوفي سنة 310في تهذيب الاثار، وابن المنادي المتوفي سنة 336 في الملاحم، وابن حبان المتوفي سنة 354 في صحيحه، والدارقطني المتوفي سنة 385 في الافراد، والخطابي المتوفي سنة 388 في معالم السنن، والرازي المتوفي سنة 414 في الفوائد، وابو نعيم الاصفهاني المتوفي سنة 430 في حلية الاولياء وکتاب المهدي، وابو عمر الداني المقري المتوفي سنة 458 في سننه، والقاضي عياض المتوفي سنة 544 في کتاب الشفاء، وابن عساکر المتوفي سنة 571 في تاريخه، وابن الجوزي المتوفي سنة 597في تاريخه، والقرطبي المتوفي سنة 671 في التذکرة، وابن تيمية المتوفي سنة 728 في منهاج السنة، وابو الحجاج المزي المتوفي سنة 742 في تهذيب الکمال،والذهبي المتوفي سنة 742 في المستدرک، وابن القيم المتوفي سنة 751 في المنار المنيف، وابن کثير المتوفي سنة 774 في تفسيره وفي الفتن والملاحم، وابن حجرالعسقلاني المتوفي سنة 852 في فتح الباري وتهذيب التهذيب، والسخاوي المتوفي سنة 902 في فتح المغيث، والسيوط ي المتوفي سنة 911 في جواهر العقدين،والمناوي المتوفي سنة 1032 في فيض القدير وآخرون کثيرون غيرهم. ثالثا: ردوا محاولته الاستدلال بعدم تخريج الشيخين البخاري ومسلم لاحاديث المهدي (ع) وانها لو کانت صحيحه عندهما لخرجاها بامرين: الاول: ان الشيخين (البخاري ومسلم)، کما قال النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم، لم يلتزما باستيعاب الصحيح بل صح عنهما تصريحهما بانهما لم يستوعباه وانماقصدا جمع جمل من الصحيح، کما يقصد المصنف في الفقه جمع جمل من مسائله لا انه يحصر جميع مسائله، وقد روي الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري، عن الاسماعيلي عن البخاري، انه قال: لم اخرج في هذا الکتاب الا صحيحا، وما ترکت من الصحيح اکثر. واکد ابو عمر بن الصلاح ان البخاري ومسلم لم يستوعبا الصحيح في صحيحيهما ولا التزما ذلک، وذکر مضمون الکلمة التي نقلها ابن حجر عنه وقال: وروينا عن مسلم انه قال: ليس کل شي ء عندي صحيح وضعته هاهنا اي في جامعه الصحيح انما وضعت ما اجمعوا عليه. ويکفي شاهدا علي ذلک ما استدرکه الحاکم النيسابوري عليهما، في کتابه المستدرک من الاحاديث التي تتوفر في اسانيدها شروطهما ولم يخرجاها، واحاديث المهدي منها وما ذکرناه من العلماء الذين خرجوها وصححوا الکثير منها ما يکفي في رد هذا الاستدلال. الثاني: ان بعض الاحاديث الواردة في المهدي او المتصلة به اتصالا لا يمکن فصمه موجودة في الصحيحين، کالحديث الذي رواه البخاري في کتاب بدء الخلق عن ابي هريرة قال: قال رسول اللّه (ص): کيف انتم اذا نزل ابن مريم فيکم وامامکم منکم. وکالحديث الذي اخرجه مسلم في کتاب الايمان، باب نزول عيسي، عن جابر بن عبداللّه الانصاري (رض) قال: لا تزال طائفة من امتي يقاتلون علي الحق ظاهرين الي يوم القيامة فينزل عيسي بن مريم فيقول اميرهم: تعال صل لنا فيقول: لا، ان بعضکم علي بعض امراء تکرمة لهذه الامة. وقد سمي هذا الامير في احاديث اخري، والاحاديث يفسر بعضها بعضا، ومن عسي يمکن ان يکون هذا الامام الا المهدي (ع) کما شخصته الروايات المتواترة عن الرسول(ص) واهل بيته واصحابه. وقد ساق من يعتد بهم في رواية الحديث اسماء خمسة وعشرين صحابيا اخرجت عنهم احاديث المهدي (ع). وقد الف العلامة المحدث احمد بن محمد بن الصديق الغماري المغربي المتوفي سنة 1960م کتابا بعنوان: ابراز الوهم المکنون من کلام ابن خلدون، المسمي المرشد المبدي في فساد طعن ابن خلدون في احاديث المهدي(ع) وقد طبع هذا الکتاب بمطبعة الترقي بدمشق سنة 1347 ه، وفي کتابه: علي بن ابي طالب امام العارفين اتهم ابن خلدون بان تشکيکه لم يکن الا تعصبا علي اهل البيت (ع) فقال: وقد تحدث قبل ذلک عن احد العلماء وموقفه المتعصب علي آل البيت (ع) وهو ابن تيمية: «ومثله في الخبث والنفاق ابن خلدون وان لم يکن عنده من الجراة ما يساعده علي نفث ما في صدره والتصريح بکل ما يحمله من طيات جنبه » الي ان يقول: «ثم هو مع ذلک لا يجد سبيلا الي نفي فضيلة عن علي (ع) وآل بيته الاطهار او الصاق عيب وخطا بهم الا بادر الي ذلک کما صنع هنا وکما صنع في احاديث المهدي المنتظر (ع) فرارا من اثبات کون المجدد الذي يحيي اللّه به الدين آخرالزمان من آل علي (ع) وعلل ذلک (يعني ابن خلدون) بان آل البيت لم تبق لهم عصبية والملک لا يقوم الا بها»، ورد عليه هذا الراي ردا مفحما.