استدلال الشيخ المفيد


واستدلّ بها أيضاً جملة علماء الشيعة ومفسّريهم علي صحّة عودة الاموات إلي الحياة قبل يوم القيامة، قال الشيخ المفيد (رحمه الله): إنّ الله تعالي يحيي قوماً من اُمّة محمّد (صلي الله عليه وآله) بعد موتهم قبل يوم القيامة، وهذا مذهب يختصّ به آل محمّد (صلّي الله عليه وعليهم) وقد أخبر الله عزّ وجلّ في ذکر الحشر الاکبر يوم القيامة



[ صفحه 474]



(وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أحَداً) [1] ، وقال سبحانه في حشر الرجعة قبل يوم القيامة: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ اُمَّة فَوْجاً مِمَّنْ يُکَذِّبُ بِآيَاتِنَا) فأخبر أنّ الحشر حشران عامّ وخاصّ [2] .

2- قوله تعالي: (وَعَدَ اللهُ الَّذِيْنَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الارْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيـُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِيْنَهُمُ الَّذِي ارْتَضَي لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِکُونَ بِي شَيْئاً) [3] .

روي الشيخ الکليني (رحمه الله) بالاسناد عن عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله جلّ جلاله: (وَعَدَ اللهُ الَّذِيْنَ آمَنُوا) الاية، فقال: هم الائمة (عليهم السلام) [4] .

وقال الطبرسي: المراد بالذين آمنوا وعملوا الصالحات النبيّ وأهل بيته (صلوات الله عليهم)، وتضمّنت الاية البشارة لهم بالاستخلاف والتمکين في البلاد وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهديّ منهم، ويکون المراد بقوله تعالي: (کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) هو أن جعل الصالح للخلافة خليفة قبل آدم وداود وسليمان (عليهم السلام)، ويدلّ علي ذلک قوله تعالي: (إنِّي جَاعِلٌ فِي الارْضِ خَلِيفَةً) و (يَا دَاوُدُ إنَّا جَعَلْنَاکَ خَلِيفَةً فِي الارْضِ)، وقوله: (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إبْرَاهِيمَ الکِتَابَ



[ صفحه 475]



وَالحِکْمَةَ وَآتَيْنَاهُ مُلْکاً عَظِيماً).

قال: وعلي هذا إجماع العترة الطاهرة وإجماعهم حجّة لقوله (صلي الله عليه وآله): «إنّي تارک فيکم الثقلين کتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض»، وأيضاً فإنّ التمکين في الارض علي الاطلاق لم يتّفق فيما مضي فهو منتظر، لانّ الله عزّ اسمه لا يخلف وعده [5] .

3- قوله تعالي: (قَالُوا رَبَّنَا أمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلَي خُرُوج مِنْ سَبِيل) [6] .

قال الشيخ المفيد (رحمه الله): قال سبحانه مخبراً عمّن يحشر من الظالمين أ نّه يقول يوم الحشر الاکبر: (رَبَّنَا أمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ) الاية، وللعامة في هذه الاية تأويل مردود، وهو أن قالوا: إنّ المعنيّ بقوله تعالي: (رَبَّنَا أمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ) أ نّه خلقهم أمواتاً بعد الحياة، وهذا باطل لا يجري علي لسان العرب، لانّ الفعل لا يدخل إلاّ علي ما کان بغير الصفة التي انطوي اللفظ علي معناها، ومن خلقه الله مواتاً لا يقال إنّه أماته، وإنّما يدخل ذلک فيمن طرأ عليه الموت بعد الحياة، کذلک لا يقال أحيا الله ميتاً إلاّ أن يکون قبل إحيائه ميتاً، وهذا بيّن لمن تأمّله.

وقد زعم بعضهم أنّ المراد بقوله: (رَبَّنَا أمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ) الموتة التي تکون بعد حياتهم في القبور للمُساءلة، فتکون الاُولي قبل الاقبار والثانية بعده، وهذا أيضاً باطل من وجه آخر، وهو أنّ الحياة للمساءلة ليست للتکليف فيندم الانسان علي



[ صفحه 476]



ما فاته في حياته، وندم القوم علي ما فاتهم المرّتين يدلّ علي أ نّه لم يرد حياة المساءلة، لکنّه أراد حياة الرجعة التي تکون لتکليفهم والندم علي تفريطهم فلا يفعلون ذلک فيندمون يوم العرض علي ما فاتهم من ذلک [7] .

إذن فالمراد بالموتتين موتة عند انتهاء آجالهم، والموتة الثانية بعد عودتهم إلي الحياة، وتفسير منکري الرجعة بأنّ الموتة الثانية قبل خلقهم حين کانوا عدماً لا يستقيم، لانّ الموت لا يکون إلاّ للحيّ، ويلزم هذا وجودهم أحياء وهم في العدم، فلا يبقي إلاّ تفسيرنا للخروج من هذا التناقض.

4- قوله تعالي: (وَحَرَامٌ عَلَي قَرْيَة أهْلَکْنَاهَا أ نَّهُمْ لا يَرْجِعُون) [8] .

روي عليّ بن إبراهيم والطبرسي وغيرهما بالاسناد عن الامام الصادق(عليه السلام)، قال: کلّ قرية أهلک الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة، وأمّا في القيامة فيرجعون، ومن محض الايمان محضاً وغيرهم ممّن لم يهلکوا بالعذاب، ومحضوا الکفر محضاً يرجعون [9] .

وهذه الاية أوضح دلالة علي الرجعة، لانّ أحداً من أهل الاسلام لا ينکر أنّ الناس کلّهم يرجعون إلي القيامة، من هلک ومن لم يهلک، فقوله: (لا يَرْجِعُون)



[ صفحه 477]



يعني في الرجعة، فأمّا إلي القيامة فيرجعون حتّي يدخلوا النار [10] .

5- قوله تعالي: (إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الاشْهَاد) [11] .

روي عن الامام الباقر والصادق من عدّة طرق أنّ هذا النصر يکون في الرجعة، ذلک لانّ کثيراً من الانبياء والاوصياء قُتِلوا وظُلموا ولم يُنصروا، وأنّ الله لا يخلف الميعاد [12] .

وسئل الشيخ المفيد (رحمه الله) في المسائل الحاجبية عن هذه الاية، حيث قيل له: في هذه الاية تأکيد، فقد أوجب تعالي بأ نّه ينصرهم في الحالين جميعاً في الدنيا والاخـرة، وهذا الحسين بن علي (عليه السلام) حجّة الله قتل مظلوماً فلم ينصره أحد؟

فأجاب الشيخ المفيد (رحمه الله) بوجوه، إلي أن قال: وقد قالت الامامية أنّ الله تعالي ينجز الوعد بالنصر للاولياء قبل الاخرة عند قيام القائم والکرّة التي وعد بها المؤمنين، وهذا لا يمنع من تمام الظلم عليهم حيناً مع النصر لهم في العاقبة [13] .



[ صفحه 478]




پاورقي

[1] الکهف: 47.

[2] المسائل السرويّة: 33، نشر مؤتمر الشيخ المفيد (رحمه الله).

[3] النور: 55.

[4] الکافي 1: 150 / 3.

[5] مجمع البيان 7: 239.

[6] غافر: 11.

[7] المسائل السرويّة: 33.

[8] الانبياء: 95.

[9] تفسير القمّي 1: 24، دار الکتاب ـ قم، مختصر بصائر الدرجات ـ للحسن بن سليمان: 41 ـ المطبعة الحيدرية ـ النجف، بحار الانوار ـ للعلاّمة المجلسي 53: 60 / 49 دار الکتب الاسلامية، الايقاظ من الهجعة ـ للحرّ العاملي: 89 ـ نشر نويد ـ قم.

[10] راجع البحار 53: 52 / 29 ـ دار الکتب الاسلامية.

[11] غافر: 51.

[12] تفسير القمّي 2: 258 ـ دار الکتاب ـ قم، مختصر بصائر الدرجات ـ للحسن بن سليمان: 45 ـ المطبعة الحيدرية ـ النجف الاشرف، کامل الزيارات لابن قولويه: 63 / 2 ـ النجف الاشرف.

[13] المسائل الحاجبيّة: 74 ـ نشر مؤتمر الشيخ المفيد (رحمه الله).